خامساً: ورق الكتابة
من عهدالفراعنة حتى عصر النهضة الإسلامية
كان الإنسان الأول يسجل الأحداث الهامة بالكتابة على الحجر.. ومن أشهر الأحجار ذات النقوش حجر رشيد والمسلات الفرعونية، ثم لجأ الإنسان الى الكتابة على عظام الحيوانات وجلودها،ثم اخترع الفراعنة ورق البرد، ولكن عيبه في خشونة ملمسه وأنه لا ينمو إلا في البيئة المصرية واسم البرد، في اللاتينية Papyrus (1) وهي مشتقة من الاسم الفرعوني ومنها اشتقت كلمه،Paper أي أنها فرعونية الأصل وفي سنة 05 ام توصل رجل صيني اسما، (تساي لون) (2)Tsai - Lun إلى صناعة نوع من الورق الذي يتكون من عجينة مطبوخة من لب خشب البامبو والأنسجة الحريرية وشباك الصيد وتضرب بالحجارة ثم تطبخ على نار هادئة ثم تضغط في صفائح رقيقة ثم تجفف في الهواء.
الورق في العالم الإسلامي
عندما نزل القرآن كان يكتب أول الأمر على عظام الابل وعلى سعف النخل.. وعندما انتقل الرسول صلم إلى المدينة استعمل جلود الحيوانات في رسائله الى ملوك العالم، وقد شاهدت في تركيا في متحف (توب كابى) باستنبول رسالة الرسول صلم إلي المقوقس وهي من جلد الجمل ومازالت الكتابة عليها يمكن قراءتها، وعندما قبض الرسول صلم كان أول جمع للقرآن في مصحف في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه، ومازال هذا المصحف الأول موجود في نفس المتحف وهو من جلد الغزال المدبوغ الأبيض اللون.
وفي سنة 751 م بينما كان جيش المسلمين يحاصر مدينة سمرقند (3) إذ وقع في الأسر جنود صينيون، فعثروا مع أحدهم على رسالة موجهة الى قائد الحامية مكتوبة على الورق الصيني،وقد اهتم القائد العربي بهذا النوع من الورق وعرف صنعته من الأسرى الصينيين ونقلها الى الخليفة. وقد كان هذا الحادث نقطة التحول التاريخية في صناعة الورق واستعماله بل نقطة تحول في تاريخ الحضارة الإنسانية، فالمسلمون كانوا يتحرقون شوقاً الى نشر المصاحف في جميع أنحاء المعمورة وإيصالها إلى البلاد المفتوحة من حدود الصين حتى الأندلس.. ولم يكن جلد الحيوانات ليسعفهم في هذا الغرض... وقد جاء في المراجع أن الورق الذي عثر عليه مع الصينيين كان مصنوعاً من الحرير، وهي مادة مكلفة.. وقد عكف المسلمون على تطوير هذه الصناعة بهدف استعمال مواد رخيصة التكلفة وسهلة الحصول عليها من البيئة الطبيعية.. فتوصلوا الى استعمال، القطن (1) بدلأ من الحرير ثم صنعوه من الأسمال القديمة. وبذلك تحول الورق على أيديهم من الاقتصار على رسائل الملوك وكهنة المعابد الى ورق شعبي في يد كل فرد ومكتبة كل بيت، وقد أنشأ المسلمون أول مصنع للورق في بغداد سنة 791 ميلادية في عصر هارون الرشيد، وقد عكف الكيميائي جابر بن حيان (ت 810 م) على تحسين صناعة الورق وعلى الى استنباط (5) أنواع جديدة منه فاخترع الورق الذي يقاوم الحرارة وضد الحرائق ونسخ على هذا الورق الجديد كتب أستاذه الإمام جعفر وابتكر الورق الأبيض الناصع البياض ، والورق المقاوم للبلل وإلي ء، وبفضل هذه التجارب العلمية ازدهرت صناعة الورق في العالم العربي كله وانتقلت إلى المغرب والأندلس وأصبحت الصانع في كل عاصمة إسلامية..
ومن أعظم مؤلفات المسلمين العلمية عن صناعة الورق كتاب "عمدة الكتاب، وأداة ذوي الألباب " لمؤلفه أمير المعز ابن البديع المولود في تونس سنة 1015 م وفيه تفاصيل صناعة الورق وطرق تطويرها وتحضير الأنواع المختلفة من حيث البياض أو الألوان، والنعومة أو الخشونة والسمك والرقة ويقول سارتون عن هذا الكتاب "إنه لا يوجد كتاب آخر في أي لغة تفوقه أوحتي يدانيه في مجاله ".
وقد اشتغل بحرفة الوراقة (أي صناعة الورق) عدد كبير من العلماء والفلاسفة، والأطباء.. ويشترك مع الوراقين الحبارون الذين تخصصوا في صناعة أحبار الكتابة ،وقد بلغ سعر الدست (الفرخ) من الورق أربعة دراهم تختلف حسب اختلاف الدست خفة أو ثقلأ وسمرة أو بياضاً وخشونة أو صقلا وهو سعر زهيد للجميع بالمقارنة بالجلود، ولم تعرف أوروبا الورق إلا عن طريق عرب الأندلس، وقد ظلت أوروبا حتي القرن الثالث عشر تستعمل الجلود في الكتابة وخاصة بعد أن انقطع عنها الورق البردى المستورد من مصر أثناء الحروب الصليبية، ولندرة الجلد وارتفاع ثمنه كان رهبان الأديرة في الدولة البيزنطية يعمدون الي كتب كبار المؤلفين الاغريق القدامى.. والتي تحتوي على كنوز المعرفة الاغريقية، التي كانت عند العرب لا تقدر بثمن.. فكانوا يكشطون الكتابة عنها ليكتبوا مكانها مواعظهم اللاهوتية.
ومعروف أن أول مصنع للورق في وروبا أقيم في مدينة (فربان) (6) بجنوب ايطاليا سنة 1276 م أي بعد المسلمين بأربعة قرون وفي ذلك الوقت كان في مدينة ( فاس بالمغرب ) وحدها أربعمائة (7)
(40 طاحونة للورق) تصدره إلى العالم الاسلامي وأوربا ، ومازالت الاصطلاحات العربية فى صناعة الورق مستعملة فى أوربا . فاستعملوا الطاحونة للدلالة عليها لمصنع .... وكلمة رزمة تعني الحزمة الكبيرة من الورق تستعمل حتى اليوم في جميع اللغات الأوربية " وهي الأسبانية Resma" وفي الانجليزية Ream " وفي الفرنسية Rame
وخلاصة القول أن الورق اختراع صيني.. ولكن العرب كان لهم الفضل الإنسانية ف تطويره لصالح الإنسانية وفىخدمة العلم، فشمل هذا التطور الصنعة؟
ب- والتركيب وشمل الانتشار والرخص ،وخير رد على ذلك أن أول من كتب في الموسوعات الكبيرة على الورق في تاريخ الإنسانية هم العرب؟ وليس الصين ولا أوربا ...
سادساً : الابرة المغناطيسية
البوصلة كما سيمت في المراجع الاجنبية ( Boussola ) كما سميت في المراجع العربية.. وهي أحد الاختراعات الحاسمة فى تاريخ الحضارة الإنسانية، لقد كان الإنسان يعتمد في رحلاته الاستكشافيه،في البر أو البحر على التطلع إلى السماء لمعرفة الاتجاهات الأربعـة ففي النهار يراقب الشمس واتجاه الظل وفي الليل يراقب النجوم ولكن كثيراً ما كانت الظروف الجوية تخذله.. وخاصة في البحار التى تكثر فيها السحب والغيوم وتنعدم الرؤية، فكان ذلك يحد من نشاطه وحركته ، ومن هنا كان اختراع الابرة المغناطيسية فتحاً جديداً في مسيرة عصره.
فيفضلها تجرأ الانسان على خوض البحار المجهولة.. والمغامرة في مجاهل البر لاستكشاف القارات الجديدة دون أن يخشى المتاهة والهلاك. وهناك ثلاثة ادعاءت حول منشأ الإبرة:فالأوربيون يقولون أن أول من اخترعها الايطالي فلافيو غيوب ) من مدينة امالفى الايطالية سنة 620 ام.
والرأي الثاني يقول أنها اختراع صيني وعنهم نقله العرب وطوروه.
الرأي الثالث يقول أنها اختراع عربي أصلاً.. ونقله الصينيون وأوروبا عن العرب.
وقد ظهرت مؤخراً الكثير من الأبحاث في هذا المجال قام بها مختصون في تاريخ العلم.. ولغويون وباحثون علميون..
لقد وجد ذكر المغنطيسية وخاصة الجذب المغنطيسي في مخطوطات عربية يعود بعضها إلى القرن الثامن الميلادي وفي ذلك يقول ابن الفقيه في كتابه "عجائب البلدان " الذي يرجع إلى سنة 903 م "ومن عجائب الجبل الذي بامد أنه متى يحك به سكين أوحديد أو سيف، حمل ذلك السيف أو السكين الحديد وجذب الابر والمسال بأكثر من جذب المغناطيس وفيه أعجوبة أخرى وذلك أنه لوبقى مائة سنة لكانت تلك القوة قائمة فيه ".
ولا يعني هذا أن العرب أول من عرف الخاصية المغناطيسية فقد عرفها الإغريق والصينيون قبلهم، ولكن المسلمين كانوا أول من استفاد من هذه الخاصية في صنع أول بوصلة وذلك بحك الابرة على المغناطيس ثم وضعها فوق إناء فيه ماء بحيث تطفوعلى عودين صغيرين من الخشب.. فتتجه الابرة نحو الشمال.
وقد ظل هذا النوع من البوصلة مستعملأ في السفن العربية التي تمخر عباب المحيط الهندي من موانىء اليمن وفارس الى كانتون في الصين.. وتلك التي تعبر البحر الأبيض المتوسط.
وقد جاء في كتاب "كنز التجار في معرفة الأحجار" والمؤرخ في عام 681 هـ الموافق يوليو 282 ام لمؤلفه بيلق(1) القبقاجي في وصف استعمال البوصلة في السفن العربية ما يأتي:
"عندما يحل الظلام ولا ترى النجوم التي يسترشد بها الربابنة في السماء للتعرف على الجهات الأصلية الأربع يحضر هؤلاء الربابنة إناء مملوءاً بإلي ء وينزلون به في جوف السفينة بعيدآ عن الرياح، ثم يأتون بإبرة يغرسونها في حلقة من خشب السنط أو في عود بحيث يكون في شكل صليب ثم يلقون بها في الاناء فتطفو على سطح إلي ء، ثم يحضر الربانية حينئذ حجراً مغناطيسياً
في حجم قبضة اليد أو أقل ويقربونه من سطح إلي ء في حركة دائرية من اليمين الى اليسار فتدور الإبرة على السطح في هذا الاتجاه ثم يسحبون يدهم بسرعة فتكف الابرة عن الحركة وبستقر طرف منها نحو الجنوب والآخر نحو الشمال، وقد شاهدت بعيني هذه العملية في رحلة بحرية قمت بها من طرابلس الشام الي الاسكندرية في عام 640 هـ الموافق سنة 242 ام ". ثم يستطرد المؤلف قائلاً:
"ويقال أن ربابنة بحار الهند يستعيضون عن الإبرة وحلقة السنط بما يشبه السمكة من الحديد الرقيق المطروق بشكل مقور يضمن طفوها فوق سطح إلي ء".
ويذكر المقريزي في كتاب الخطط سنة 410 ام "أن السمكة من الحديد المطروق يستقر فمها نحو الجنوب وإذا عرف الجنوب والشمال عرف الشرق وا لغرب.
وفي سنة 475 ام اخترع عالم البحار ابن ماجد أول ابرة جالسه على سن لكي تتحرك حركة حرة دون الحاجة الى وعاء إلي ء.
وفي ذلك يقول في كتابه (الفوائد):
"ومن اختراعنا في علم البحرتركيب المغناطيس على الحقة بنفسه ولنا في ذلك حكمة كبيرة لم تودع في كتاب "، ومن هذه الحقائق يتبين لنا.
أن الأوربيين قد نقلوا البوصلة عن العرب وليس العكس وإن ادعاء فلافيو الايطالي كما وصفته الدكتورة سيجريد هونكة الإلي نية ما هو إلا (فضيحة التزوير والادعاء) ص 49 وقد انتقلت البوصلة الى أوروبا على مرحلتين- المرحلة الأولي أثناء الحروب الصليبية عن طريق ملاحي البحر الأبيض المتوسط المسلمين ،والمرحلة الثانية هي (حقه بن ماجد) في القرن الخامس عشر الميلادي وذلك عن طريق ملاحي جنوبي آسيا المسلمين عندما استعان بهم البحارة الاسبان والايطاليون.
أما القول بأن الصينيين قد عرفوا الابرة أولأ وعرفها عنهم العرب فإن الرد عليه يأتي من علماء الدراسات الصينية الذين يقرون أنهم لم يجدوا في المخطوطات الصينية القديمة أي ذكر للابرة المغناطيسية، بل إن خاصة جذب المغنطيس نفسها كانت غامضة عند الصينين ومرتبطة بالسحر والدين وليس العلم وكانوا يسمون حجر المغناطيس الحجر المحب).
ويشير هؤلاء العلماء أن أقدم وصف للابرة المغناطيسية في أي مخطوط صيني يعود الى القرن الثاني عشر الميلادي (سنة 1119 م) وهو لمؤلف صيني عاش في ميناء (كانتون) وفيه أنه "شاهد في السفن الأجنبية القادمة إلي الصين من الغرب استعمال ابرة تتجه نحو الجنوب دائما وتكشف لهم الطريق " ويقول سارتون إن "المقصود بهؤلاء الأجانب (2) هم المسلمون من الربابنة العرب والفرس لأن الملاحة في ذلك الوقت وفي هذه المنطقة كانت في أيديهم.. بينما كانت الصين متخلفة عن المسلمين في الملاحة ".
وهذا هو المؤرخ سيديو يستنكر فكرة أن الصينين اخترعوا الإبرة فيقول "فكيف يظن أن الصينيين استعملوا بيت الإبرة مع أنهم ما يزالون حتى عام 1850 م يعتقدون أن القطب الجنوبي من الكرة الأرضية سعير يتلظى". وهكذا يجمع المختصون (3) في تاريخ العلم أمثال سارتون وسيديو وهونكه ولويون على أن (بيت الابرة) اختراع عربي.. ابتدعه العرب ثم طوروه حتى وصل الى مرحلة الكمال على يد بن ماجد، وعنهم أخذه الصينييون وأوروبا.
سابعاً: : اختراع عربي لا صيني ولا أوروبي هناك ثلاثة آراء متضاربة حول صناعة ..
فالأوربيون يقولون أن أول من اخترعة (روجر بيكون) وكان ذلك سنة 1320 م.
والصينيون يقولون أنهم عرفوه قبل الميلاد وكانوا يستعملونه في المناسبات الدينية والأفراح والجنازات وتكريم الآلهة.
رأى ثالث يقول أن اختراع عربي.. وأن المسلمين كانوا أول من ابتكروه ثم طوره واستعملوه في الحرب كقوة دافعة.
وتجمع آراء الباحثين. العلميين أمثال جوستاف لوبون وسارتون وسيجريد هونكه وغيرهم كثيرون أن الأوروبيين قد عرفوا البارود عن طريق العرب ونقلوه عنهم وفي ذلك يقول جوستاف
(1) لوبون.
"وعزى اختراع البارود الي روجر بيكون زمناً طويلاً.. مع أن روجر بيكون لم يفعل غير ما فعله ألبرت الكبير من اقتباس المركبات القديمة فقد عرف العرب الأسلحة النارية قبل النصارى بزمن طويل ".
ويستشهد أصحاب هذا الرأي بما وجدوه في المخطوطات العربية التي تعود إلى القرن العاشر الميلادي (أي قبل بيكون بثلاثة قرون) فقد جاء وصف صناعة البارود كما يلي:
"تؤخذ عشرة دراهم من ملح البارود ودرهمان من الفحم ودرهم ونصف من الكبريت، وتسحق حتى تصبح كالغبار ويملأ منها ثلث المدفع فقط خوفاً من انفجاره ويصنع الخراط من أجل ذلك مدفعاً من خشب تتناسب فتحته مع جسامة فوهته وتدك الذخيرة بشدة ويضاف إليها البندق (كرات الحديد) ثم يشعل ويكون قياس المدفع مناسباً لثقله ".
وسبق أن أشرنا الى كتاب القائد الإسلامي (حسن الرماح (2)) المتوفى سنة 278 ام والذي يحتوي شرحاً تفصيلياً عن صناعة البارود في العالم الإسلامي وعن طرق استخلاص ملح البارود من الطبيعة وتنقيته في المختبرات الكيميائية،فهذا الكتاب يدلنا على أن تلك الصناعة كانت قد بلغت في العالم العربي والإسلامي شأناً كبيراً من التطور والكمال قبل أن يعرفها بيكون مما حدا بسارتون أن يلح بأن بيكون ربما نقل كتاب الرماح ،وأخيراً يقول سارتون :"أن نسبة البارود الى بيكون أمر تدور حوله الشكوك والشبهات " ثم يشير إلى احتمال اطلاع بيكون على المخطوطات الإسلامية في هذا المجال، بهذا كله تسقط حجة من يدعون أن أوروبا صاحبة اختراع البارود، تبقى الحجة الثانية التي تقول أن الصينيين صنعوا البارود قبل العرب واستعملوه في الألعاب النارية والأغراض الدينية.
وللرد على ذلك يجب أولأ أن نميز بين أمرين :ـ
فهناك ملح البارود وتركيبه الكيميائي (نترات البوتاسيوم) وهو موجود في الطبيعة تحت اسم (البارود الأسود الخام) وسمي بالبارود لأنه قابل للاشتعال عند التسخين أو ملامسته للنار، فهذه إلي دة الخام هي التي عرفها الصينيون واستعملوها كما هي في الطبيعة دون تركيب أو تحضير ولا بد أن هناك شعوباً أخرى غيرهم قد عرفوها أيضاً.
ونستشهد هنا بفقرة هامة من الموسوعة (3) العالمية "العلم والحضارة في الصين ، والتي تعتبر المرجع الرئيسي والحجة في تاريخ الصين science and cevilisation in China )
الجزء الخامس ص 432 لمؤلفه نيدهام) يقول فيها "إن المسلمين قد عرفوا ملح البارود salt peter عن الصينيين وكانوا يسمونه (الملح الصيني) وكان هذا الملح يؤخذ من (الحجارة) أي من الموارد الطبيعية في أواسط وشرقي آسيا، (انتهى كلام نيدهام).
أما بارود المدافع Gun powder، فهو تركيبة كيميائيه، اخترعها الكيميائيون العرب في معاملهم وتتركب من: (نترات البوتاسيوم بنسبة 75%+ كبريت بنسبة 10%+ فحم بنسبة 15%) ومن المفروض أنهم قد جربوا (الملح الصيني) أو ملح البارود الخام في هذه التركيبة أول الأمر، فلم يؤد الغرض كقوة دافعة لأنه في، صورته الطبيعية مليء با لشوا ئب.
وهنا تأتي ثلاث خطوات هامة قام بها العرب:
الأولى: تحضير ملح البارود كيميائياً في المعمل: فالمعروف أن أول من اخترع حامض النيتريك هو جابر بن حيان المولوديى نة 722 م ثم جاء بعده الرازي المولود سنة 850 م فأجرى عليه التجارب وصنع منه الأملاح، ذلك أثناء محاولته لإذابة الذهب وسماه الزاج الأخضر، ويقر دكتور نيد هام للعرب بسبقهم في تحضيرهذه الأملاح كيميائياً فيقول ص 432 ه ، كان العرب يطلقون على الأملاح إلي خوذة من الطبيعة اسم (الحجارة) ،أما الأملاح المستحضرة في معاملهم كيميائياً فكانت تسمى (المستنبطة) Mustanbatولم يكن الصينيون يعرفون غير الأملاح الطبيعية وحدها. الخطوة الثانية: هي تنقية ملح البارود الخام من الشوائب الطبيعية لأنه أقل تكلفة من الملح المحضر كيميائياً،وهنا أيضاً نستشهد بفقرة من سارتون (مقدمة في تاريخ العلم) جـ2 إذ يقول فيها تحت (عنوان البارود) إن المسلمين أول من قام بتنقية ملح البارود الخام ويستشهد على ذلك بأن (ثورة الزنج (4) التي قامت سنة 869 م) أن هؤلاء الزنوج كانوا عمالاً في صناعة تنقية ملح البارود في البصرة، وفي شرح أهمية هذه الخطوة يقول سارتون: وبفرض معرفة الصينيين لملح البارود قبل العرب فلم يكن ذلك ذا قيمة علمية أو تاريخية، لأنه لم يكن بصورة نقية تسمح باستعماله كقوة دافعة، وأول من قام بتنقيته وتصفيته هم المسلمون ".
الخطوة الثانية: هي صنع بارود المدفع( Gun powder) ليكون قوة دافعة، لقد كان الكيميائيون العرب يعرفون أن الاشتعال السريع للكبريت والفحم يولد كمية كبيرة من الغازات دفعة واحدة، فأرادوا أن يستفيدوا من هذه الخاصية باستعمالها كقوة دافعة فوضعوا عليها نسبة معينة من ملح البارود كعامل وسيط للاشتعال، وكان المدفعي يدك هذا المسحوق في المدفع ثم يضع أمامه القذيفة وهي كرة من الحجر أو الحديد ثم يشعل فيها النار.
من هنا نتبين أن العرب أول من صنع بارود المدافع واستعمله كقوة دافعة، في حين أن الصينيين كانوا يستعملون ملح البارود الخام لخاصية الاشتعال في إعمال الزينة والأغراض الدينية ،كالجنازات والخلاصة أن البارود اختراع عربي أصلأ لم يعرفه الصينيون قبلهم ولم يعرفة، الأوروبيون إلا بعدهم بثلاثة قرون وكان ذلك عن طريق العرب.
صناعة المدفع.
المدفع اختراع إسلامي.. وليس هناك من يدعي غيرذلك وقد جاء في المخطوطات العربية أن المسلمين قد استعملوا المدافع في حصار سرقسطة سنة 118 ام ويذكر ابن خلدون أن سلطان مراكش عندما فتح سلجماسة سنة 273 ام قد استعمل المدافع في حصارها فيقول "إنهم ضربوا أسوارها بمختلف الآلات فكانت الآلة ترمي قذائف كبيرة من الحجارة أو الحديد ينبعث من خزنة أمام المدافع بطبيعة غريبة ترد الأفعال إلى قدرة باريها" ويذكر جوستاف لوبون (1) أن أول مرة استعمل الأوروبيون فيها المدافع (بعد أن تعلموها من العرب في الحروب الصليبية)، وكان ذلك في معركة (كريسي) سنة 1346 م أي بعد المسلمين بثلاثة قرون أو أكثر.
وحتى بعد أن عرفت أوروبا صناعة المدافع فقد ظلت متخلفة عن المسلمين في تطوير هذا السلاح ،فعندما حاصر محمد الفاتح القسطنطينية سنة 9453 م استعمل مدافع ضخمة لم تعرف أوروبا مثيلاً لها، وعندما حاصر العثمانيون فيينا بعد ذلك كانت مدفعيتهم متفوقة على أوروبا بمراحل كبيرة.
كذلك كان للمسلمين الفضل في اختراع الأسلحة الصغيرة كالبندقية أو البارودة وقد اخترع مسلمو الأندلس القربينة (4) ونقلها عنهم الأسبان في غزو المكسيك سنة 520 ام وكانوا يسمونها Arquabus ، وهو اسم مشتق من العربية.
(راجع باب العسكرية الاسلامية لمزيد من الاطلاع عن المدافع)
ثامناً: مضخة المكبس Piston Cylinder
اخترعها بديع الزمان الرزاز الجزري (ت سنة 184 ام) .
عندما جاء عصر البخار الذي يتمثل في صناعة القطار والمراكب البخارية.. ثم تلاه عصر البنزين الذي يتمئل في محرك السيارة والطائرة، كانت الفكرة الأساسية التي اعتمد عليها المخترعون لتحويل الطاقة الي قوة محركة هي فكرة عربية أصلاً، أنها المضخة إلي صة الكابسة،والتي اخترعها المهندس العربي وعالم الميكانيكا الجزرى، وأورد لها وصفاً دقيقاً مزوداً بالصور العلمية التوضيحية الملونة في كتابه المعروف "الحيل الجامع بين العلم والعمل " وقد ترجم هذا الكتاب عدة مرات الى كل اللغات الأوروبية تحت اسم (الحيل الهندسية).
ومضخة، الجزرى عبارة عن آلة من المعدن تدار بقوة الريح أو بواسطة حيوان يدور بحركة دائرية، وكان الهدف منها أن ترفع المياه من الآبار. العميقة إلى اسطح الأرض، وكذلك كانت تستعمل في رفع المياه من منسوب النهر إذا كان منخفضاً إلى الأماكن العليا مثل جبل المقطم في مصر وقد جاء في المراجع أنها تستطيع ضخ إلي ء إلى أن يبلغ ثلاثة وثلاثين قدماً، أي حوالي عشرة أمتار وهو ما يعادل ارتفاع مبنى يتألف من ثلاثة أو أربعة طوابق، وتنصب المضخة فوق سطح إلي ء مباشرة بحيث يكون عمود الشفط مغموراً فيه، وهي تتكون من ماسورتين متقابلتين في كل منهما ذراع يحمل مكبساً اسطوانياً، فإذا كانت إحدى إلي سورتين في حالة كبس (اليسرى) فإن الثانية تكون في حالة شفط، ولتأمين هذه الحركة المتقابلة المضادة في نفس الوقت يوجد قرص دائري مسنن قد ثبت فيه كل من الذراعين بعيداً عن المركز، ويدار هذا القرص بوساطة تروس متصلة بعامود الحركة المركزي وهناك ثلاثة صمامات على كل مضخة تسمح باتجاه المياه من أسفل إلى أعلى ولا تسمح بعودتها في الطريق العكسي..
هذا التصميم العبقري لم يكن معروفاً لدى الرومان والاغريق، وهو اختراع عربي صميم، ولا يزال مبدأ مضخة المكبس مستعملاً حتى الوقت الحاضر في جميع مضخات المكبس التي تعمل باليد وهي منتشرة في كثير من القرى في العالم أجمع.
وهذه المضخة هي الفكرة الرئيسية التي بنيت عليها جميع المضخات المتطورة في عصرنا الحاضر والمحركات الآلية كلها ابتداء من المحرك البخاري الذي في القطار أو البواخر إلى محرك الاحتراق الداخلي الذي يعمل بالبنزين كما في السيارة ،والطائرة ،والفكرة الرائدة التي أدخلها الجزرى هي استعماله مكبسين واسطوانتين يعملان بشكل متقابل وبصورة متوازية، ثم نقل الحركة الناتجة وتحويلها من حركة خطية إلى حركة دائرية بواسطة نظام يعتمد استعماله التروس المسننة وهو ما يطبق حالياً في جميع المحركات العصرية .
تاسعاً: اختراع الكاميرا: أو الخزانة المظلمة ذات الثقب
Camera Obscura
اخترعها ابن الهيثم المولود سنة 965 م.
عندما كان عالم البصريات ابن الهيثم يعيش في مدينة البصرة سمع عن بيت قديم مهجور من بيوت المدينة يقولون عنه (بيت الأشباح) فإذا كنت بداخل البيت رأيت صور أشخاص يسيرون على الحائط، وقد ظهرت الصور مصغرة مقلوبة، وزار ابن الهيثم هذا المنزل وأخذ يجري التجارب على هذه الظاهرة حتى تبين له أن هناك ثقب صغيرجداً في الحائط الفاصل بين البيت والشارع، فإذا مر أحد في الطريق على مسافة معينة من ذلك الحائط تظهر له صورة مصغرة مقلوبة على الحائط الآخر، ولكي يؤكد ابن الهيثم نظريته العلمية، فقد شيد في بيته حجرة مماثلة وأخذ يجري التجارب على حجم الثقب والمسافة بين الثقب والجدار المقابل الذي تسقط عليه الصورة حتى حصل على صورة أوضح من تلك التي رآها في (منزل الأشباح).
ومرت السنوات وانتقل ابن الهيثم الى القاهرة وتبلورت تجاربه العلمية فأراد أن يطور فكرة غرفة الأشباح الى صندوق صغير يستطيع أن ينقله أينما ذهب فجاء بخزانة أي صندوق صغير مطلي من الداخل باللون الأسود، وجعل في أحد جوانبه ثقباً صغيراً ،وفي الجانب المواجه للثقب وضع لوحاً من الزجاج (المصنفر) وعندما وضع هذه الخزانة في رواق الأزهر أمام تلاميذه ظهرت لهم على الزجاج صورة صغيرة مقلوبة كانت مثار الدهشة والضحك.
وقد طور ابن الهيثم اختراعه بعد ذلك، وإذا كنا نعرف أنه أول من اخترع العدسة المحدبة واستعملها في النظارة فقد استخدم هذه العدسة في الخزانة أيضاً ووضعها خلف الثقب مباشرة، وهو بذلك يكون قد استكمل اختراع أول كاميرا في تاريخ الإنسانية، إلا أنه لم يطلق عليها اسمه، بل اسما علميا بسيطاً هو (الخزانة المظلمة ذات الثقب).
وعندما، يمسك الواحد منا بتلك الأجهزة المتطورة التي أصبحت في يد كل سائح وصحفي وعالم وطبيب وفي يد الطفل الصغير والشيخ الكبير وكأنها جواز سفر إلى الدنيا لا بد لنا تذكر ابن الهيثم شيخ البصريات الاسلامي، واختراعه الأول الذي جعل هذه النعمة ميسرة لنا.
عاشرآ: الرقاص أو الموار Pendulum
اخترعه عالم الرياضيات والفلك أحمد بن يونس المصري المتوفي سنة 1009 م.
قبل اختراع الرقاص كان الزمن يحسب بالساعة الرملية أو الساعة الشمسية، ومنذ عرف الإنسان الرقاص تطورت آلات حساب الوقت بسرعة،كان ابن يونس عإلي رياضياً وفلكياً لدى الخليفة الحاكم بأمر الله، وكان مديراً لمرصد المقطم في حلوان وقد لاحظ ابن يونس أنه إذا علق ثقلاً في خيط طويل في سقف المرصد ثم أزاحه قليلا عن مركز سكونه فإن هذا الثقل يكتسب حركة ترددية منتظمة على شكل قوس مركزه نقطة التعليق وذلك وفقاً لقانون ثابت يتوقف على طول الخيط وليس علي المسافة التي يقطعها في حركته.
وبعد ابن يونس في مصر جاء عالم فلكي آخر في العراق هوكمال الدين الموصلي المتوفي سنة 242 ام فأجرى المزيد من التجارب على الرقاص، وتوصل الى الكثير من قوانين تذبذبه، وقد استعمل العرب الرقاص في كثير من الآلات الحاسبة والساعات الدقاقة وآلات رصد الفلك، وبعد أن اخترع العرب الرقاص بستمائة وخمسين عاماً ووصولهم إلى أكثر قوانينه جاء العالم الإيطالي جاليلو المتوفي سنة 1624 م فاستفاد من أبحاث العرب ووضع أكثر القوانين الرياضية التي نعرفها اليوم عن البندول
(الرقاص وحسبها رياضياً).
ولم يعد أحد اليوم يجادل في أن الرقاص اختراع عربي. وقد أجمع على ذلك كل من سارتون وسيديو ومتز وهونكة ولوبون.
ويقول سميث في كتاب "تاريخ الرياضيات (ص 673 جى 2) "ومع أن قانون الرقاص من وضع جاليلو إلا أن ابن يونس المصري قد سبقه الى اكتشافه وكان فلكيو المسلمين يستعملون البندول لحساب الفترات الزمنية أثناء الرصد، كما يذكر الدكتور جوستاف لوبون "أن العرب هم أول من طبق استعمال الرقاص في الساعة.
وقد كان لاختراع البندول الفضل في قيام علم جديد قائم بذاته هو علم ميكانيكا الذبذبات أو الاهتزازات، واستعمل في تسجيل الزلازل والهزات الأرضية والتنبؤ بها، كما في جهاز (المرجاف). واستعمل في قياس شدة الجاذبية الأرضية التي تؤثر على زمن الذبذبة، وفي اثبات حركة دوران الأرض، ومن أهم استعمالاته في العصر الحديث، في اكتشاف الاهتزازات الناجمة عن المحركات الدوارة كما في الطائرات السريعة والمركبات الفضائية ومعالجتها لتحقيق توازن المحرك.
حادي عشر: علم الجبر
اخترعه محمد بن موسى الخوارزمي المتوفي سنة 8461 م وفي أوروبا يسمى هذا العلم (اللوغارتم) Logaritmiوهي كلمة مشتقة من اسم (الخوارزمي) مؤلف هذا العلم.
كان عهد الخليفة إلي مون عصر تفتح على العلم إلى أبعد الحدود، فقد اتسعت الخلافة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، وزادت حاجة المسلمين الى علم جديد من علوم الحساب يساعدهم في الأمور الآتية: أولأ: معاملات البيع والشراء: مع الدول المجاورة والشعوب المختلفة بما في ذلك من اختلاف العملات والموازين ونظام العقود.
ثانياً: معاملات المساحة: ابتداء من حساب محيط فى الكرة الأرضية وقطرها وخطوط الطول والعرض في البلدان الى مساحات البلدان والمدن والمسافات بينها ثم مساحات الشوارع والأنهار الى مساحات الضياع والبيوت.
ثالثاً: الوصايا والمواريث: وتقسيم التركات المعقدة.
رابعاً: الحساب العلمي: مثل الحسابات الفلكية التي تصل أرقامها الى الملايين، وحساب المعمار الى غير ذلك مما تحتاجه دولة ناهضة تسابق الزمن بل تسبق كل علوم عصرها في نهضتها ولكن لا تسعفها علوم الحساب العادية والموروثة عن السابقين.
من هنا فقد أمر الخليفة إلي مون عالم الرياضيات المشهور في بغداد الخوارزمي أن يتفرغ لعلم جديد أو وسيلة جديدة لحل المعادلات الصعبة التي تواجه المشتغلين بالحساب، ويقول الخوارزمي، في ذلك في مقدمة كتابه (الجبر والمقابلة)، "لقد شجعنا ما فضل به الله الإمام (إلي مون) أمير المؤمنين مع الخلافة التى حاز له إرثها وأكرمه بلباسها وحله بزينتها من الرغبة في العلم وتقريب أهله وإدنائهم وبسط كنفه لهم ومعونته إياهم على أني ألفت له (كتاب الجبر
والمقابلة).
وبشرح الخوارزمي الهدف من هذا العلم الجليل فيقول عنه "لما يلزم الناس من الحاجة إليه في مواريثهم ووصاياهم وفي مقاسمتهم وأحكامهم وتجارتهم وفي جميع ما يتعاملون به بينهم من مساحة الأرضين وكرى الأنهار والهندسة وغير ذلك من وجوهه وفنونه ".
ومن بعد الخوارزمي جاء علماء آخرون من أنحاء العالم الإسلامي فأسهموا في تطوير هذا العلم الذي وضع الخوارزمي أساسه ومن هؤلاء النبريزي والبتاني وابن يونس المصري وابن الهيثم وعمر الخيام وغيرهم كثيرون حيث وصلوا بهذا العلم إلي قمة الكمال، وعندما جمعت أوروبا ما كتبه المسلمون في هذا الميدان كان لهذا العلم فضل، عظيم في نهضتها الحديثة في كل مجالات الحياة. ابتداء من صناعة السيارات، والطائرات والقاطرات، الى إقامة الجسور الضخمة وناطحات السحاب إلي، صناعة صواريخ الفضاء والهبوط على سطح القمر.
ويكفي لكي نتصوركيف كان حال الدنيا لو لم يخترع علم الجبر. أن ننظر الى هذه الرسمة الرمزية التي نشرتها هيئة اليونسكو في كتاب تاريخ الإنسانية وهي تبين مرحلة في أوروبا في العصور الوسطى بين مدرسة الخوارزمي في الحساب وبين المدرسة الإغريقية القديمة، فعلى اليمين رجل أمامه لوح مكون من عدد من الكرات على السلك لمعرفة الحساب، وعلى اليسار رجل يحسب بطريقة اللوغارتم وعلم الجبر، فانظر الفارق بين الحضارتين والعلمين.
ويذكر الدومييلي Al-domieliفي كتابه "العلم عند العرب وأثره في تطور العلم العالمي " أن فضل الخوارزمي لم يؤد فقط إلى وضع لفظ الجبر واعطائه مدلوله الحالي بل أنه افتتح عصراً جديداً في الرباضيات حتى وإن أمكن أن نجد رواداً سابقين عليه في ذلك النوع من الحساب ".
ثاني عشر: علماء المسلمين اكتشفوا
قوانين الحركة قبل نيوتن وجاليليو:
علم الحركة يقوم على ثلاثة قوانين رئيسية تنسب حالياً الى إسحق نيوتن المتوفي سنه 1727 م عندما نشرها في كتابه الشهير (الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية).
كانت هذه هي الحقيقة المعروفة في العالم كله وفي جميع المراجع العلمية حتى مطلع القرن العشرين، إلي أن تصدى للبحث جماعة من علماء الطبيعة المعاصرين، وفي مقدمتهم الدكتور(1) مصطفى نظيف أستاذ الفيزياء. والدكتور (2) جلال شوقي أستاذ الهندسة الميكانيكية والدكتور(3) على عبد الله الدفاع أستاذ الرياضيات. فتوفروا على دراسة ما جاء في المخطوطات الإسلام4 في هذا المجال. فاكتشفوا أن الفضل الحقيقي في هذه القوانين يرجع إلى، علماء المسلمين بحيث اعتبروا أن فضل نيوتن في هذه القوانين هو تجميع المعلومات القديمة وصياغتها وتحديده لها في قالب الرياضيات، وهذا سرد مبسط لكل واحد من هذه القوانين وما كتبه علماء المسلمين في المخطوطات العربية قبل نيوتن بسبعة قرون.
القانون الأول للحركة:
وينص على أن الجسم يبقى في حالة سكون أو في حالة حركة منتظمة في خط مستقيم مالم تجبره قوى خارجية على تغييرهذه الحالة، جاء هذا المعنى في أقوال اخوان الصفا وابن سينا وفخر الدين الرازي ونصير الدين الطوسى ،ففي الرسالة الرابعة والعشرين (
يقول اخوان الصفا، "الأجسام الكليات كل واحد له موضع مخصوص ويكون واقفاً فيهلا لا يخرج إلا بقسر قاسر" ويقول ابن سينا المتوفي سنة 1037 في كتابه الإشارات وا لتنبيهـات.
"إنك لتعلم أن الجسم إذا خلى وطباعه ولم يعرض له من الخارج تأثير غريب لم يكن له بد من موضع معين وشكل معين فإن من طباعه مبدأ استيجاب ذلك ".
ثم يقول ابن سينا:
"إذا كان شيء ما يحرك جسما ولا ممانعة في ذلك الجسم كان قبوله الأكبر للتحريك مثل قبوله الأصغر، ولا يكون أحدهما أعصى والآخر أطوع حيث لا معاوقة أصلاً".
ثم يأتي بعد ابن سينا علماء مسلمون على مر العصور يشرحون قانونه ويجرون عليه التجارب العملية، وفي ذلك يقول فخر الدين الرازي المتوفي سنة 209 ام في شرحه "إنكم تقولون: طبيعة كل عنصر تقتضي الحركة بشرط الخروج عن الحيز الطبيعي والسكون بشرط الحصول على الحيز الطبيعي ".
ويقول أيضاً في كتابه "المباحث الشرقية في علم الإلهيات والطبيعيات"وقد بينا أن تجدد مراتب السرعة والبطء بحسب تجدد مراتب المعاوقات الخارصية والداخلية".
كل هذه اشارات واضحة إلي خاصية مدافعة الجسم عن استمراره في البقاء على حاله من السكون أو الحركة ،وهذا يؤكد أن ابن سينا أول من اكتشف، هذا القانون قبل جاليلو ونيوتن بعدة قرون.
القانون الثاني للحركة:
ويتعلق بدراسة الأجسام المتحركة، وهو ينص على أن تسارع جسم ما أثناء حركته، يتناسب مع القوة التي تؤثر عليه، وفي تطبيق هذا القانون على تساقط الأجسام تحت تأثير جاذبية الأرض تكون النتيجة أنه إذا سقط جسمان من نفس الارتفاع فإنهما يصلان إلي سطح الأرض في نفس اللحظة بصرف النظر عن وزنهما ولو كان أحدهما كتلة حديد والآخر ريشة، ولكن الذي يحدث من اختلاف السرعة مرده الى اختلاف مقاومة الهواء لهما في حين أن قوة تسارعهما واحدة.
وقد تصدى لهذه القضية العديد من علماء الميكانيكا والطبيعيات المسلمين فيقول الإمام فخر الدين الرازي في كتابه "المباحث المشرقية" (11):
"فإن الجسمين لو اختلفا في قبول الحركة لم يكن ذلك الاختلاف بسبب المتحرك، بل بسبب اختلاف حال القوة المحركة، فإن القوة في الجسم الأكبر ،أكثرمما في الأصغر الذي هو جزؤه لأن ما في الأصغر فهو موجود في الأكبرمع زيادة"، ثم يفسر اختلاف مقاومة الوسط الخارجي كالهواء للأجسام الساقطة فيقول: "و) ما القوة القسرية فإنها يختلف تحريكها للجسم العظيم والصغير لا لاختلاف المحرك بل لاختلاف حال المتحرك فإن المعاوق في الكبير أكثر منه في الصغير، وهكذا نجد أن المسلمين قد اقتربوا الى حد بعيد جداً إلي معرفة القانون الثاني.
القانون الثالث للحركة:
وينص على أن لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومضاد له في الاتجاه، هذا المعنى بنصه في كتاب (المعبر في الحكمة) (12) لأبي البركات هبة الله البغدادي المتوفي سنة 165 ام إذ يقول "إن الحلقة المتجاذبة بين المصارعين لكل واحد من المتجاذبين في جذبها قوة مقاومة لقوة الآخر. وليس إذا غلب أحدهما فجذبها نحوه تكون قد خلت من قوة جذب الآخر،بل تلك القوة موجودة مقهورة، ولولاها لما احتاج الآخر الى كل ذلك الجذب "، ويقول الإمام فخر الدين الرازي في كتابه " المباحث المشرقية" (13): " الحلقة التي يجذبها جاذبان متساويان حتى وقفت في الوسط لا شك أن كل واحد منهما فعل فيها فعلاً معوقاًبفعل الآخر".
وبهذا نستطيع أن نقول إن المسلمين قد توصلوا إلي أصول القانونين الأول والثالث للحركة واقتربوا كثيراً من القانون الثاني. وجدير بنا أن ننسب القانون الأول لابن سينا والثالث للبغدادي لا لنيوتن.
أهمية هذه القوانين وفضلها على الحضارة المعاصرة:
هذه القوانين الثلاثة للاستقرار والحركة ورد الفعل هي القوانين الأساسية التي ترتكز عليها كل علوم الآلات المتحركة.. ابتداء من السيارة والقطار والطائرة إلي صواريخ الفضاء والعابرة للقارات.. وهي نفسها التي هبط بها الإنسان على سطح القمر.. وسيره في الفضاء الخارجي. وهي أيضاً أساس جميع العلوم الفيزيائية التي تقوم على الحركة، فالكهرباء هي حركة الالكترونات. والبصريات هي حركة الضوء والصوت هو حركة الموجات الضوئيه الخ.. وجدير بنا أن نفخر بفضل علمائنا الأولين كلما ذكر اسم نيوتن الذي وضعه بعض المؤرخين في صف الأنبياء بسبب نسبة هذه القوانين إليه.
كانت هذه اثنى عشر اكتشافاً اسلامياً.. لكل منها دور بارز في تطور العلوم وفي مسيرة الحضارة الإنسانية ،وليس معنى ذلك أن هذا هو كل ما قدمته تلك الحضارة من إنجازات ولكنها على سبيل المثال لا الحصر، وقد أردت بها أن تكون أمثلة حية وملموسة على إنجازات المسلمين في عصر نهضتهم.. نرد بها على فريق المستشرقين المغرضين الذين دأبوا دون ملل ولا كلل على ترديد أن فضل الحضارة العربية هو في نقل العلوم الإغريقية وحفظها الى أن جاء الأوروبيون أصحاب هذا التراث العلمي لكي يتسلموه منهم.
والواقع أن هناك الكثير من انجازات الحضارة الإسلامية.. الذي مازال خافياً علينا، والذي نهب منا ونسبه غيرنا الى نفسه ونحن غافلون، فهناك في مكتبات أوروبا عشرات الألوف من المخطوطات العلمية العربية، الموجودة في الأفنية المظلمة والدهاليز السرية،ومعظمها من النادر الثمين الذي لايوجد منه غير نسخة واحدة في أوروبا لا مثيل لها في العالم العربي، كما أن هناك أضعاف هذا العدد من المخطوطات في العالم العربي نفسه، وكلها لم يتفرغ له أحد لتحقيقه والكشف على ما يحتويه من كنوز المعرفة.
والملاحظ هنا أن كل واحد من هذه الاكتشافات قد تعرض لادعاءات كثيرة من شعوب مختلفة ومن علماء في شتى أنحاء الأرض، وتتراوح هذه الادعاءات بين السرقة العلمية الواضحة.. وبين الاقتباس والتطوير أما أمثلة السرقة فهو ما فعله سرفيتوس في نقله الدورة الدموية عن ابن النفيس، وقد اتفقت الهيئات العلمية التي تناولت هذا الموضوع بالبحث والدراسة على أن النقل قد تم بالمعنى واللفظ، ونفس الشيء فعله قسطنطين الإفريقي عندما ترجم مجموعة من كتب المسلمين.
ومن أمثلة الاقتباس والتطوير ما فعله جاليليو في اختراع البندول ونيوتن في قوانين الحركة حيث وضعوا لها المعادلات الرياضية التي نعرفها اليوم ولكنهم لم يذكروا فضل من سبقوهم من المسلمين في هذا الميدان.
وهناك ثلاثة من هذه الاكتشافات كثر حولها الجدل.. قيل إن العرب نقلوها عن الصينيين.. وهي البارود والبوصلة والورق، وقد ناقشنا هذا الادعاء بوضوح، واستشهدنا برأي العلماء المختصين في تاريخ الصين العلمي وبينا في هذا الميدان مالنا وما علينا، بأمانة العلم،فإذا كان علماء الغرب قد أنكروا على غيرهم حقه وحاولوا سلبه منه، فلا يعنى ذلك أن نفعل مثلهم فننكر فضل من سبقونا فالحضارة الإنسانية كلها متصلة ببعضها، وجميع الحضارات تنقل عن بعضها أفكارآ ثم تطورها وتقدمها لصالح الإنسانية كلها.. وهذه سنة الحياة التي لولاها لكان على كل حضارة أن تبدأ من الصفر.. وتظل الإنسانية في حلقة مفرغة.. ولا تحرز تقدماً جيلاًبعدجيل.
ولكن المهم في هذا الميدان.. ميدان التسابق الحضاري... هو أن لا تطغى روح الأنانية، وأن تعترف كل حضارة بغيرها وتقر بمنجزاته... وللحقيقة والتاريخ: فلم نسمع أن عإلي واحدآ من علماء المسلمين حاول أن ينسب لنفسه أي اكتشاف علمي ليس له، أو كتاباً لم يؤلفه وقد كان ذلك سهلأ وميسوراً، لأن كتب الإغريق كانت قد نسيت واندثرت، وكان بعضها يستخرج من مقابر أصحابها، وفي مثل هذه الأحوال ما أسهل الادعاء ولكنك تجد دائما في المراجع العربية ذكر لكل صاحب فضل وعلم في هذا الميدان مع الكثير من التقدير والاحترام، فإذا كان رأيه خطأ يناقشونه بشجاعة ولكن دون افحاش ولا إساءة.. فكان الرازي وابن سينا وابن النفيس والزهراوي وغيرهم يقولون "قال الفاضل جالينوس " "وقال الفاضل ابقراط " فإذا وجدوا خطأ قالوا (وهذا الرأي عندنا خطأ وصحته كذا قارن هذا بما فعله رجال أمثال بارسيليسو في أوروبا في القرن السادس عشر عندما قام باحراق كتب ابن سينا والرازي في الساحة العامة في إحدى مدن أوروبا لكي يقول أن عهدهم قد انتهى وأن نفوذهم على العلم يجب أن يتوقف.
وفي ختام هذا الباب لنا هنا ملاحظة أخيرة. فبعض هذه الانجازات التي سردتها مازالت بحاجة الى المزيد من الأدلة والبراهين من خلال مطالعة واسعة ومسح شامل للمخطوطات الإسلامية.. وهذا عمل لا يستطيع فرد واحد أن يقوم به.. وحسبي أنني فتحت الأبواب لمن يأتي بعدي ولكل من يهمه رد الاعتبار إلي حضارتنا الإسلامية لابراز الحقيقة من ثنايا كتب التراث.. ولكنني أحذر القارىء والباحث من الاعتماد على المصادر الأجنبية وحدها في هذا الميدان بالذات حتى لو كانت موسوعات علمية منصفة. فقد اعتادت هذه الموسوعات على أن تنقل عن بعضها.. وبعض الحقائق الخطيرة الخاطئة يظل ينقل من كتاب الى آخر.. بل من جيل إلي جيل.. إلي أن يظهر من يتصدى له ويبين خطأه كما فعل الدكتور التطاوى في الدورة الدموية.
ومن أكبر الصعوبات التي ستصادف الباحث في هذا الميدان، أن معظم المخطوطات العلمية العربية القيمة موجودة الآن في متاحف الغرب ومكتباتهم، وأنه لا يوجد لها مثيل في العالم العربي والإسلامي، والقليل الذي نعرفه عنها هو ما يسمحون بنشره أو يذكرونه في كتبهم.. وهذا أيضاً يؤيد ما ذهبنا إليه في الباب الأول من هذا الكتاب من وجوب العمل على كافة المستويات ابتداء من المستوى السياسي عن طريق رؤساء الدول، الى مستوى الحكومات والكليات والمعاهد العلمية إلي مستوى الأفراد من العلماء لاستعادة كتب التراث الاسلامي الموجودة في الغرب أو على الأقل نقلها وتصويرها والله ولي التوفيق